انشرها أو لا تنشرها .. استغفر ربك دائماً

انتابه شعور بالذنب بعد أن أغلق تلك الرسالة البريدية وانصرف إلى تناول الغداء .. كان يوم عطلة، قرر خلاله قراءة كل رسائله البريدية، وتمرير القيم منها للأصدقاء، أو حذف ما لا يلزمه منها، عندما ظهرت له تلك الرسالة، «اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. ارسلها لـ 12 شخصاً من قائمتك وستسمع خبراً يفرحك .. وإن لم تفعل ستسمع خبراً لا يسرك ! .. مجربه ولا تنسى تدعيلي »..

كيف وصلت هذه الرسالة إلى بريده الإلكتروني .. تأكد من اسم المرسل، أيكون أرسلها بدافع الفضول والتأكد من صحة تلك التجربة، أم أن كل ما له علاقة بالدين أمر غير قابل للرد أو التجاهل، ما دفع العديد من مستخدمي الشبكة إلى اختراع أساليب مبتكرة للترويج للدين، والتعامل معه كسلعة خف الإقبال عليها، ولا بد من التذكير بها في كل حين.

تستحضر تلك الرسائل الجرعة الإيمانية لدى المرسل إليهم، وتبعث فيهم شعوراً بالتقصير في التعامل مع مبادئ الإسلام، في حين أنها أمور يتعايش معها الفرد دون الحاجة إلى بريد إلكتروني يذكره بها، أما العلاقة بين إرسال تلك الرسالة إلى عدد محدد من الأشخاص فتلك «شطحة» نحو المزيد من السطحية التي تتسم بها تلك الرسائل البعيدة عن فوائد تلك الأدعية والعبادات، فالتذكير بفوائدها أولى من رسائل عشوائية يدّعي مرسلوها التنبؤ بالغيب.

فوجئ مرة أخرى بوميض رسالة على جهاز «البلاك بيري»، «حملة استغفار، استغفر وضع نجمة، يا جماعة نبغي نوصل لأكبر عدد من المستغفرين، لا تخليها توقف عندك .. مررها لكل اللي باللستة»..

يا سلام ، أصبح الاستغفار بحاجة لحملة كحملات التبرعات، من مستخدمي البلاك بيري، حتى لا يندثر، ألهذه الدرجة أصبح الدين عبئاً؟ مرة أخرى أي شيء له علاقة بالدين لا يمكن تجاهله والوقوف عنده، لا بد من نشره، لأن الدال على الخير كفاعله.

توقف بعدها عند رسالة أحدهم، مطلع الرسالة يُشير إلى نكتة : محشش ماشي في الشارع ......... ما في نكتة

لو كانت رسالة دينية ما كنت بتفتحها صح ؟ ... صلي على النبي ومرر الرسالة ».. يعني لا مفر من مطاردة ساذجة!

غريب هذا الدين عندما تتولى أمره فئة تجهل عمق تلك الممارسات، حين يتم تداولها بسطحية على جهاز بلاك بيري، تزدحم فيه الأخبار والنكات، لا يبدو لا استخدام التكنولوجيا دون إقحام الدين بطريقة سطحية، وباعثة على الملل والتجاهل، وكأن الدين جرعة إلزامية يلفظها اللسان ويتجاهلها القلب، تخيل كيف أن يتفاعل أحدهم مع حملة الاستغفار تلك بينما ينهمك في حديث جانبي ..

الاستخدام غير المسؤول لأنظمة التراسل الإلكتروني يفرز سلوكيات تتبعها الفئة الأكبر وتُصر على نشرها، دون أدنى مسؤولية، أو حتى تمعن في محتواها، والطفرة الحادثة في تلك الأنظمة تفتح المجال أمام تلك السلوكيات لتصل إلى أكبر عدد من المستخدمين وتلاحقهم حتى على المخدة.. بكلمات مؤثرة وعبارات باعثة على الأسف على حال الدين عندما تختصره رسالة في البلاك بيري .. ولا يتردد أحدهم في أن يختم تلك الرسالة «إذا تحب أمك أرسلها ..»..