من ذبح الشاة.. ومن خطف الطائرة؟

حبش و مغنية..وعمليات انجاب أكثر اليائسين في العالم من دون جراحة قيصرية

عماد مغنية، القائد العسكري في حزب الله ينظر له في لبنان كبطل وشهيد. لكن في الكويت، توالت ردود غاضبة حين قام بعض البرلمانيين الكويتيين بفتح مجلس عزاء له. والسبب يعود لاتهام مغنية بأنه كان وراء مقتل مواطنين مدنييين كويتيين وبأن إقامة مجلس العزاء يمثل تحقيراً واستفزازاً لذوي القتلى..
من المؤسف أن يظهر مثل هذا الجدل حول حق شخص في أن يقام له مجلس عزاء، فالدعاء بالرحمة هو شيء متأصل في ضمائرنا ويملي علينا أن نتمثله حتى في موت أعدائنا، بل إن الدعاء بالرحمة واجب أكثر لمن كثرت ذنوبه.
لكن الدعاء بالرحمة شيء وإطلاق نعت البطولة والنضال على من تسبب فعلاً في مقتل الأبرياء هو شيء أخر. للأسف فإن إعلامنا العربي شريك في خلق البلبلة والتشويش في عقولنا حول من يستحق فعلاً أن يوصف بأنه بطل وبين من يجب أن يوصف بأنه شخص ضال تجلب أفعاله المآسي للأبرياء.
قبل بضعة أسابيع وافت المنية الزعيم الفلسطيني جورج حبش في العاصمة الأردنية عمان. وقد كثرت بعد موته عمليات الثناء والتقدير لسجله النضالي ومواقفه الصلبة. لكن كانت هناك تقارير أيضاً تحدثت عن أن حبش هو أول من أطلق عمليات خطف الطائرات وجعل من الأمور الشرعية باسم الثورة والنضال تعريض حياة المدنيين للخطر.
ويحلو للإسرائيليين والأمريكيين أن يطلقواعلى أشخاص من نوع مغنية وحبش وبالطبع بن لادن صفة إرهابيين. لكن المشكلة أن المصداقية تنتفي بالكامل حين تتساقط النعوت من جهات تقتل المدنيين من دون أن يرف لها جفن ،وكأن ذلك من حقوقها الطبيعية. ولهذا علينا أن نفهم ظاهرة العنف ضد المدنيين خارج أجهزة القياس الإسرائيلية والأمريكية لنستحصل على تقييم أمين وغير مفصل على قياس حروبهم المشتعلة اليوم في فلسطين والعراق وأفغانستان.
في ثقافتنا الإسلامية المتعلقة بالتعامل مع المدنيين أثناء القتال ربما يكون أشهر المأثورات هو ما جاء في وصية الخليفة أبو بكر الصديق لجيش أسامة عند خروجه لفتح الشام في السنة ١٢ للهجرة حين حذر بلغة لا لبس فيها: "لا تخونوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخا كبيراً ولا امرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له!.."
هذه الوصية بما احتوت عليه من قيم عظيمة في كلمات بسيطة تردد صداها على مر العصور، وأرست مع أقوال عظيمة أخرى صدرت عند غيرنا من الأمم أساس المفهوم الحديث لحقوق الإنسان، الذي يحدد من دون التباس أن كل البشر يملكون الحق في الحياة والحرية والأمان الشخصي. (المادة ٣ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان). والذي يحرم في المادة ٥ تعريض أي إنسان للتعذيب أو المعاملة القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
حين نتأمل في هذه النصوص نستطيع أن نقيم الدور الذي مارسه مغنية وقبله حبش في مسألة الاعتداء على المدنيين ا. يتهم مغنية بأنه كان وراء خطف طائرتين كويتيتين وطائرة مدنية أمريكية والتسبب بموت بعض المدنيين. وابتداءاً من ١٩٨٣ يتهم مغنية أيضاً بأنه العقل المدبر لعمليات خطف المدنيين الغربيين المقيمين في بيروت. صدرت الاتهامات من جهات أمنية والكثير منها إسرائيلي وأمريكي. وهي لهذا تهم أقل ما يقال عنها أنها ليست موثوقة. على أننا إذا تجنبنا توجيه اللائمة لمغنية لعدم الثقة بمصادر الاتهام إلا أننا نستطيع في المقابل أن نجزم بثقة بأنها جرائم، وبقطع النظر عمن ارتكبها، لأنها لا تتوافق مع شرائعنا أو الشرائع الإنسانية. وأقل ما يتوجب علينا فعله هو أن نعلن الرفض لهذه الأفعال وبأن لا نعتبر مرتكبيها أبطالاً يحتذى بهم بل ملتاثون عقلياً وبحاجة للعلاج. أما المجرمون الحقيقيون في قتل الأبرياء فهم ليسوا مرتكبي الجرائم بل أولئك الذين يدفعون اليائسين دفعاً لها. لذلك فحتى لو كان حبش ومغنية مسؤولين فعلاً عما يتهما به فإن علينا أن ننظرالى ماهو ابعد منهما.
علينا مثلاً أن نكشف ، في عملية العقاب الجماعي النازل على أهل غزة ،الخطوط العريضة لتفريخ اليأس، كما اكتشفناه ، منذ عقدين ، وقبل أن تنطلق عمليات خطف الطائرات ،في مستنقع الإهانة والضياع الذي عاشه اللاجئون الفلسطينيون. واليوم نرى الشيء نفسه في ما تمارسه الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق والذي يولد أقصى اليأس ، وينجب ، من دون حاجة الى عمليات قيصرية، أكثر اليائسين في التاريخ، أولئك الأشخاص الذين يتنكرون للحق الإنساني في الحياة ويجندون أنفسهم للعمليات الإنتحارية.
ثم هناك الشركاء الآخرون في لعبة الموت هذه، أولئك الذين يصورونهم كأبطال ، ويكفي أن نتابع صحفنا وفضائياتنا العربية كل يوم لنتلمس عملية إعادة إنتاج اليأس وإيهام أجيالنا الشابة بأن ليس هناك من حل إلا في احتقار حياتهم وكل حياة أخرى على وجه الارض

» الخوف من الطائرة
» نصائح صحية أساسية إتّبعيها على متن الطائرة