قد يظن البعض أنه يعالج الوقوع في الغضب بالبعد والهروب من المجتمع الذي يغضبه ولكن هذا نوع من الانطواء وليس علاجا, فأسباب الغضب كامنة داخل القلب وفي طباع الشخص, ومنها حساسيته الزائدة نحو كرامته التي تدعوه إلي الثورة علي من يسيء اليه وأيضا عدم قدرته علي الاحتمال, ولذلك فالشخص الغضوب إن ذهب بعيدا عن أسباب الغضب فإن الغضب يرافقه في أي مكان يذهب اليه وشيطان الغضب يقول له بصراحة أنا من أجلك مقيم معك في هذا الموضوع فإن أردت الانتقال من هنا فسوف أنتقل بدوري معك لأني ملازم لك حيثما ذهبت وحينما سكنت إذن يجب علي الإنسان أن يهدئ قلبه من الداخل وينقي قلبه من الغضب والغيظ ولا ينفعه أن ينطوي علي ذاته وقلبه ساخط نافر مملوء بمشاعر خاطئة.
إن نقاوة القلب هذه هي العلاج الحقيقي لمشكلة الغضب مادام السبب هو داخلنا أعني عدم الاحتمال وعدم المحبة وعدم المغفرة.
< اعلم تماما أنك في ثورتك علي غيرك بهذا الغضب والنرفزة إنما تخسر الغير. وسليمان الحكيم يقول: رابح النفوس حكيم ولذلك قل لنفسك إذا حوربت بالنرفزة لماذا أخسر الناس؟!
وهل هذه حكمة مني أم أخسرهم؟!
< بدلا من الثورة والنرفزة الجأ إلي أسلوب التفاهم والعتاب بهدوء وحاول أن تنتهي من المشكلة عن طريق الإقناع ومناقشة الفكر. لا ترد علي انتقادات الغير لك بالغضب, بل بالتفاهم والإقناع, إن التفاهم أسلوب جميل يشرح الأمور ويزيل الغضب من جذوره وقد يتعرض لأسباب هذا الغضب إن كانت قد فهمت خطأ.
< حاول أن تلجأ في علاج الغضب إلي طريقة التصريف وليس الترسيب.
أما التصريف فمعناه أن ينصرف الغضب تماما من أعماق قلبك ولا يوجد في داخلك أي شيء ضد من تري أنه أساء اليك ولا يتم هذا إلا عن طريق المغفرة الكاملة التي تنسي الإساءة.
بل ربما تلتمس العذر للمسيء, أو عن طريق التواضع العميق الذي يشعر فيه الإنسان أنه هو السبب في كل ماحدث, وبهذا لايوجد غضب في القلب علي الاطلاق, ولاتوجد رغبة في الانتقام للنفس, وبتصريف الغضب يصبح القلب صافيا صفاء حقيقيا, علي أن هذا التصريف قد يحدث أحيانا بالتدريج, مثل جرح قد نظفته تماما وشفي والتأم, ولم يعد يؤلمك في شيء, ولكن موضعه لايزال حساسا, بحيث إن اصابته بأي صدمة تكون أكثر تأثيرا عليه وأكثر إيلاما, ولكن بالوقت يزول الألم تماما تماما, ويصبح موضع الجرح كأي موضع آخر في الجسم من حيث التعرض للألم.
أما الترسيب فهو صفاء خارجي, مع وجود الغضب كامنا في اعماق النفس ثابتا في الفكر! مثال ذلك زجاجة دواء مكتوب عليها رج الزجاجة قبل الاستعمال, يكون فيها الدواء صافيا ورائقا من فوق, مع وجود مواد مترسبة في القاع, بحيث إذا رججت الزجاجة يتعكر السائل الرائق كله, إذ يختلط بما يترسب في القاع, وقد يحدث ان إنسانا يهدئ نفسه من الانفعال الظاهري, وفي قلبه هو غير مقتنع بما حدث له, وإنما من اجل الفضيلة قد سكت, ولكن يحدث أنه إذا تكررت الإساءة, يغضب ليس بسبب هذه الاساءة الجديدة, إنما بسبب القديمة أيضا, لأنها لاتزال موجودة في قلبه كامنة ومترسبة, إنه حاول معالجة نتائج غضبه, ولكنه لم يعالج اسبابه, ولم يسمح للغضب بأن تنتج عنه حدة أو خصومة, أو محاولة لرد الشر بالشر, إنما اسباب الغضب ظلت باقية في اعماق نفسه تحتاج إلي تصريف.
< حاول ان تعالج الغضب بطول البال وسعة القلب, حيث لاتغضب بسرعة ولأتفه الأسباب.
إنك إذا ألقيت قطعة من الطين في كوب ماء, فإنها تعكره, أما لو ألقيت هذه القطعة من الطين في المحيط فإنه لايتعكر, إنما يأخذ قطعة الطين ويفرشها في اعماقه بكل هدوء, ويقدم لك ماء رائقا, كن إذن واسع القلب وحاول ان تغفر, وإذا ماحوربت بالغضب علي احد, فعليك أن تتذكر كم مرة أخطأت إلي الله ولم يغضب عليك برغم كسرك لوصاياه, بل تذكر أيضا انك تكسر وصايا الله كثيرا وتخطئ, وبعد ذلك تقف لكي تصلي إليه وتتحدث معه, وتطلب منه طلبات.. دون ان تعتذر إليه أو حتي تصالحه, إنني كلما أري غضب الناس وثورتهم, أزداد حبا لله, الذي يحتمل كل سيئاتنا ولايغضب.
حقا ما أعجب الله في احتماله, إنه يحتمل كل الاخطاء, لكل الناس وفي كل العصور.. علي الرغم من انه خليقته وعبيده.. بينما الناس لايحتملون غلطة واحدة في حقهم من بشر مساوين لهم, أو ربما اعلي منهم مقاما.
< لمعالجة الغضب يمكن للإنسان ان يدرب نفسه علي أمرين هما: عدم علو الصوت, وعدم حدة الصوت, حتي لايتحول غضبه إلي صياح وعراك, فالصوت العالي عثرة, وهو يفضح الغضب الداخلي أمام الناس ويعلنه, ويظهر الشخص الغاضب كإنسان عاجز عن التحكم في اعصابه, وعاجز عن الهدوء أثناء نقاشه, وهذا امر غير مشرف له من كل ناحية, وموضع لانتقاده مهما كان علي حق, وإذا اختلطت حدة الصوت بعلوه تكون غير محتملة, وكذلك إن ارتبطت بملامح غضبه, انظر إلي وجهك في مرآة أثناء غضبك, فستجد أنه ليس من السهل احتمال ملامحك, لذلك تدرب علي هدوء الصوت والملامح